هذا العصر هو أفضل وقت ليكون المرء فيه شاهد عيان على الشبكة الاجتماعية. فقد باتت مشاركة الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بتلك اللحظات الحياتية الغريبة والرائعة عبر الإنترنت تعني أنّه بإمكان الجمهور حول العالم معايشة هذه اللحظة المضحكة والمروّعة بشكل غير مباشر. أو عندما ينشر شهود العيان تصوراتهم للحوادث المؤلمة أو المواقف الخطيرة، فإنّ ذلك يساعد في تسليط الضوء على الأماكن والأخبار التي كانت تبدو أنها تنتمي لعالم آخر.
نتعامل في ستوريفل مع شهود العيان كل يوم، نجد أخبارهم على الشبكة الاجتماعية ونشاركها مع وكالات الأنباء في جميع أنحاء العالم. وللقيام بذلك على نحو فعال، علينا أن نُبدي بعض التعاطف عند الوصول إلى القائمين بالتحميل والتحدث إليهم، مع الأخذ في الاعتبار التجارب التي مروا بها، سواء مفرحة أم مؤلمة.
إن العمل كصحفي في خضم الأحداث العدائية أمر محفوف بالمخاطر، حتى في حال تلقي تدريبات وحماية خاصة، والتي غالبًا ما يتم توفيرها للمهنيين. ولكن يمكن أن يؤدي القيام بدور شاهد العيان دون حماية، وخاصةً مع وجود كاميرا، لكارثة.
هناك العديد من الحالات التي تجدر بالملاحظة، مثل حادث مقتل المصور الصحفي أحمد سمير عاصم، الذي صور مقتله بعدما فتحت قوات الأمن المصرية النار على المتظاهرين أمام دار الحرس الجمهوري في القاهرة في عام 2013. كما اعتُقل المصور الصحفي المستقل محمود أبو زيد، المعروف باسم شوكان، دون تهمة لمدة عامين تقريبًا على خلفية تغطيته الاحتجاجات الدامية التي شهدتها مصر في عام 2013.
لا يمكننا اعتبار هذا تطور جديد. في عام 1963، صوّر ابراهام زابرودر، صاحب شركة ملابس نسائية، مقطع الفيديو الذي يُعد أحد أكثر مقاطع فيديو شهود العيان شهرةً على مرّ العصور: اغتيال الرئيس جون كينيدي. نسبة للتقارير، تعرض زابرودر في ذلك اليوم لصدمة دامت لسنوات عديدة فيما بعد.
Follow @FirstDraftAr تابعونا على تويتر للمزيد حول كيفية جمع الأخبار والتحقق منها وكشف الأخبار الكاذبة
كصحفيون وكجمهور، نعتبر موقف شاهد العيان أمرًا مسلّمًا به أحيانًا. فقد نشاهد جزء من محتوى يوثق لحادث بشكل كامل، ولكننا مع استعجالنا بنشره، ننسى أن نطمئن عن الشخص نفسه. وكذلك عند التواصل مع شهود العيان على وسائل التواصل الاجتماعي، ننسى في بعض الأحيان سؤالهم عن سلامة شاهد العيان قبل السؤال عن إمكانية استخدام المحتوى على منصات الأخبار. قد يبدو هذا الأسلوب بلا إحساس لأي شخص خارج قطاع الأخبار، هو أسلوب استخدمه الكثير منّا (وكنت أنا من ضمنهم).
على سبيل المثال، راجع انتشار مقطع فيديو شاهد العيان الذي يصور آثار حادث تحطم طائرة عسكرية في إشبيلية بإسبانيا في 9 مايو/أيار، ولقى فيه أربعة أشخاص مصرعهم.
بغض النظر عن ترجمتي السيئة للإسبانية، لم أسأل وغيري من الصحفيين الآخرين في المثال المذكور أعلاه، شاهد العيان في تواصلنا الأولي عمّا إذا كان على ما يرام، الأمر الذي من شأنه تقدير تأثره الشخصي أيضًا بهذا الحادث المأساوي الذي شهده للتو.
قد يمثّل حد عدد الحروف المسموح به في تويتر وضيق الوقت المتاح حال الأخبار العاجلة جزءًا من المشكلة، ولكن هل يتعين علينا حقًا التضحية بالاعتراف بشهود العيان في سبيل سباقنا للمحتوى؟ لن يستغرق الأمر سوى بضعة أحرف وبضع ثوانٍ للتأكد من سلامته.
في ستوريفول، نهتم بسلامة القائمين بالتحميل وعادةً ما نتمهّل للاستفسار أو إرسال رسالة متابعة للثناء على موقف شهود العيان. انظر المثال التالي، حيث قام المصدر بتحميل فيديو مثير يُظهر تبادل إطلاق النار خارج مقر شرطة دالاس في شهر يونيو/حزيران.
تُظهر لقطة الشاشة التالية بعض رسائل التوعية الأولية الأخرى التي أُرسلت إلى القائم بالتحميل ذاته.
الآن ألقِ نظرةً على جنون وسائل الإعلام بشأن الهجمات التي وقعت في باريس في يناير/كانون الثاني من عام 2015، التي بدأت بإطلاق نار استهدف مقر الصحيفة الفرنسية الساخرة “تشارلي إيبدو”، وراح ضحيته عشرات القتلى. في إطار ذلك تم تحميل الفيديو التالي على إنستغرام، حيث لا توجد قيود على عدد الحروف المسموح به كما هو حال مثال تويتر أعلاه. على الرغم من ذلك، كان هناك عدد قليل من التعليقات الواردة من وكالات الأنباء يسأل عن سلامة المصدر.
على الرغم من أن المصدر في المثال الوارد أعلاه قد خوّل فيما بعد إحدى وكالات الأنباء بنشر مقطع الفيديو، تواصلت الوكالة مع مسؤولي موقع إنستغرام وطلبت من المصدر التواصل، لا يتم اتباع هذا الأسلوب دائمًا.
لنعود لحادثة زابرودر في عام 1963. في الساعات التي تلت اغتيال كينيدي، عُرض عليه آلاف الدولارات من وكالات صحافية عدة لقاء بيع مقطع الفيديو الذي صوّره. في النهاية استقر زابرودر على مجلة “لايف” لأنه وفقًا لصحيفة واشنطن بوست كانت المجلة “وكالة أنباء راقية، ولأنها وافقت على التعامل مع الفيديو بتكتّم، ولأنّه أعُجب بالشخص المهذب والمرتب الذي أرسلته إليه المجلة لمقابلته”.
في المناطق التي تشهد وضعًا سياسيًا عدائيًا، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وبعض أجزاء أمريكا الجنوبية والصين وشرق أوكرانيا، اكتشفت أنه ليس بالضرورة أن يكون من السهل الحصول على تصريح باستخدام المحتوى من شهود العيان بالقدر نفسه في المناطق الأكثر استقرارًا.
فأثناء تغطية النزاع الأوكراني الأخير، كان من الطبيعي وبعد لقائي أحد شهود العيان أن أتلقى رسائل تستفسر عن هويتي وعن كوني محل ثقة ولأي من طرفي الحرب أميل – في مثل هذه الحالات أكون محظوظًا بما فيه الكفاية إذا تلقيت ردًا بالأساس. ففي حالات كثيرة، أعود في وقت لاحق إلى صفحة المستخدم وأبحث عن المحتوى لأجده إما قد حُذف أو تم تجميد حساب المستخدم.
لقد اكتشفت أن استغلال الوقت في تلك الأسئلة الأولية عن سلامة المصدر ثم تقديم نفسي باختصار ومن أين جئت وعمّا تقوم به ستوريفول على وجه التحديد، يساعد في منح شهود العيان شعورًا بمزيد من الراحة. وقد أدت بعض هذه التفاعلات الأولية – من أجل الشفافية – في نهاية المطاف إلى بناء علاقات طويلة الأمد مع القائمين بالتحميل، ممّا يساعد ستوريفول في مراقبة الأحداث الجارية في منطقتهم.
ولهذا، سنقدم بعض أفضل الممارسات أثناء التعامل مع شهود العيان ومصادر للأخبار تحتمل أن تكون طويلة الأمد:
تواصل بشفافية
في حالة تواصلك مع أحد شهود العيان في منطقة مضطربة، وكنت تستخدم مترجم عبر الإنترنت، تذكر أن تعرّف الشخص بنفسك، وموطنك، بالإضافة إلى توضيح نشاط الشركة التي تتبعها إن أمكن. هذه الشفافية ستمنح الشخص شعورًا أكبر بالارتياح للتعامل معك على الأرجح. وفي حال الضرورة، قم بإعلام هذا الشخص بإمكانية إبقاء حديثه بشكل سري أو الإشارة إليه بشكل مجهول.
ابد اهتمام حقيقي بسلامة شهود العيان
حتى لو كان لديك وقت للسؤال عن سلامة القائم بالتحميل أو وصوله لمكان آمن فقط، فإنّ ذلك يُحدث فارقًا. لا تقم بحث القائمين بالتحميل على المجازفة كي تحصل على محتوى أكبر، سلامتهم هي الأولوية. حث مراسل قناة بي بي سي مارك فرانكل الصحفيين في وسائل الإعلام الاجتماعية إلى “التوقف عن الصراخ في كل وقت”، والاستماع بدلًا من ذلك للتعلم من الجمهور أنفسهم. هذه نصيحة جيدة.
ابق على اتصال
إذا كان الشاهد مصدرًا محتمل للأخبار على المدى البعيد، فابقَ على اتصال به. لا يعني ذلك عدم التواصل معه إلاّ إذا كان لديه معلومات أو محتوى تريد الحصول عليه. فعليك السؤال عنه بين الحين والآخر، في سبيل التأكد من صحته، والسؤال عن كل جديد وما إلى ذلك.
اطلب الانضمام إلى المجتمعات ذات الصلة
بمجرد ترسيخ درجة من الثقة مع أحد المصادر طويلة الأجل، اسأله عن انتمائه لأي من المجتمعات ذات العلاقة على الإنترنت بحيث يمكنه تسهيل انضمامك.
على مدى السنوات القليلة الماضية، وبمساعدة بعض شهود العيان الجديرين بالتقدير، تعرّفنا في ستوريفول على شخصيات أخرى من المواطنين الصحفيين وشهود العيان ومجموعات خاصة في المجتمع، على منصات وسائل الإعلام الاجتماعية والرسائل الخاصة، وهو ما أثبت كونه جزءًا لا يتجزأ من متابعة الأوضاع الجارية حول العالم.
الأهم من كل ذلك، لا تأخذ شاهد العيان كأمر بديهي مسلم به.
على الرغم من التقاطهم للحظات شخصية، فقد يجدون أنفسهم جزء من التاريخ لمجرد وجودهم في المكان المناسب في الوقت المناسب (أو في المكان الخطأ في الوقت الخطأ).
هل كان بإمكان العالم الغربي فهم خطورة الوضع في سوريا بشكل كامل دون مشاركة شهود عيان لتجاربهم؟ كيف كانت ستجري التغطية الإخبارية لتفجيرات لندن 7/7 في عام 2005 لو لم يكن الهاتف الذكي موجودًا، آخذين بعين الاعتبار عدم تمكن الصحفيين من الوصول إلى مواقع التفجيرات؟
مع الأهمية المتزايدة للمحتوى الذي ينشره المستخدم لكيفية تلقي الجمهور للأخبار، يتعين على الصحفيين الحرص على عدم نسيان شهود العيان الذين جعلوا كل ذلك ممكنًا.